«أحد المولود أعمى».. ذكرى معجزة المسيح فى تحقيق المستحيل - مصر النهاردة

القاهرة 24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في موقع مصر النهاردة نقدم لكم اليوم «أحد المولود أعمى».. ذكرى معجزة المسيح فى تحقيق المستحيل - مصر النهاردة

الكنيسة تحتفل بالأسبوع السادس من الصوم الكبير

علاقة سر المعمودية بـ«أحد التناصير والاستنارة»

 

تعيد الكنيسة الأرثوذكسية، اليوم الأحد الموافق 13 برمودة بالتقويم القبطى، ذكرى «المولود أعمى» وهو الأسبوع السادس من الصوم الكبير المقدس الذى يستمر حتى احتفال عيد القيامة المجيد فى 5 مايو المقبل، وهى قصة وسيرة مُلهمة تفيض بكثير من العِظات والعِبر التى ترسخ العقيدة فى وجدان الأقباط.

وجرت العادة المسيحية خلال فترة الصوم أن تقيم الكنيسة النهضة الروحية اليومية متخللة دروس الكتاب المقدس والتعاليم العقائدية التى تهدف إلى تقويم الإنسان، وينعم الأقباط بقصص آحاد الصوم المقدس، الشاهدة على معجزات السيد المسيح قبل صلبه وقيامته من بين الأموات لأجل خلاص الأمة.

وتأتى قصة «المولود أعمى» أو كما تعرف أيضاً بـ«أحد التناصير» فى الأسبوع السادس بعدما فاضت قصص الأسابيع الماضية منذ «أحد الرفاع» خلال أسبوع الاستعداد، مروراً بـ«أحد الكنوز» و«أحد التجربة والنصرة» وخلاله ترسيخ أهمية التجربة التى جعلت النفس تواجه الشيطان، لتتربع فى النفس القصة التى تلتها خلال «أحد الابن الضال»، و«أحد السامرية»، ويعرف فى الكتاب المقدس بـ«الارتواء» ذكرى حوار يسوع المسيح مع المرأة السامرية، ويعتبر من أكثر الأحداث التاريخية التى عكست بعض المعانى وازداد ترسيخاً عبر الأعوام، واحتفلت الأسبوع الماضى بـ«أحد المخلع»، استعداداً لمرحلة جديدة من الصوم بعدما تأتى «أحد الشعانين، أو السعف» وبدء أسبوع الآلام المقدس.

قصة المولود أعمى

تروى الكنيسة هذا الأسبوع قصة جديدة، عنوانها الأمل الباقى النابع من الإيمان بقدرة الله على تغيير المستحيل، يعرض هذا الأسبوع لمحة مُلهمة بطلها شخص ولد كفيفاً لا يغازل أبصاره النور ولا يحمل ذاكرة ولا يعرف كيف تبدو الأشياء أو الألوان، ولا يعلم من العالم سوى الصوت الذى ينسج من خلاله صورة خيالية تمكنه من العيش وحيداً فى ظلامه الدامس.

وتقول قصة هذا المولود إنه لم يملك من الدنيا سوى أرض أمام الهيكل يجلس عليها ليستجدى من المارة المال، ولم يمتهن فى حياته سوى هذه المهنة التى تمكنه من العيش فى ظلام مقلتيه وحتى يستطيع الحصول على طعام، وفى يوم من الأيام وهو مُختلٍ بوحدة ظلامه سمع مجموعة أصوات تبدو له أن عدداً من الرجال قد حلوا الأرض الذى يجلس فيها وسمع ما دار بينهم فوجد أحد الأشخاص يسأل: لما هذا الرجل كفيف؟، فأجابه آخر: يجوز أن يكون مخطئاً، يقاطعه آخر: يجوز أن تكون عائلته هى الخاطئة وقد تحمل ذنبهم لذلك ولد أعمى!، ولكن المسيح أجابهم: هذا لم يخطئ ولا أبواه، لكنه مرآة تظهر أعمال الله فيها، وسبيل تعبر من خلاله قدرة الله، وكانت لهذه الكلمات وقع هادئ فى نفس «الكفيف» وتيقن أن ما هو فيه حكمة الله وآية للعالم ودليل قوة الله القادر على تغيير مصيره إلى الأفضل.

فرح الرجل من دفاع هذا الصوت ولم يكن يعلم أنه السيد المسيح وأن من معه هم تلاميذه، ولكن قلبه فرح بوجود شخص ما يدافع عنه لأول مرة فى حياته، وإذ وجد خطوات المسيح قد اقتربت منه ووضع على جفونه حفنة من طين الأرض ثم طلب منه أن يذهب ويغتسل فى ماء «بِركة سلوام»، ولم يكن أحد من الموجودين يعلم ماذا يجرى على يد يسوع المسيح، بحسب ما ورد ذكره بالكتاب المقدس فى إصحاح كامل بإنجيل المعلم ماريوحنا «9» الذى ذكر تفاصيل الحوار الذى دار بين الرجل الكفيف والمسيح.

سبب غضب اليهود من معجزة المسيح

كانت صفوف الناس الواقفين أمام هذا الراجل شاهدة على معجزة السيد المسيح الذى خرج من بين يديه نور البصر لشخص ولد كفيفاً، وعلى الرغم من فضل هذه المعجزة إلا أن اليهود لم يروا منها خيراً وأنكروا هذا الفضل، وتذكر الكتب المقدسة أن اليهود أظهروا موقفاً معاكساً عن منطق الاندهاش والفرحة لأجل هذا الرجل البسيط، بل حملوا عداءً وبغضاً خرج من أفواههم عندما علموا بهذه المعجزة، فحين سمع رجال الكهنة ومجمع الهيكل استدعوا هذا الرجل ليعرفوا منه ما جرى، وقص لهم وجود رجل حكيم أعاد له البصر بعدما وضع عليه الطين واغتسل بماء سلوام.

كان اعتراض اليهود على هذه المعجزة أنها تمت «يوم السبت»، وهو يوم يحمل مكانة خاصة لديهم ولا يقومون خلاله بأى فعل بل يعتقدون أن من يتحرك أو يفعل شيئاً خلاله فهو مخطئ.

ذاعت شهرة هذه المعجزة بين الأوساط وكثر السؤال عن من الفاعل وكيف، وكان هذا المولود أعمى محل اهتمام أهل المدينة والجميع يحرص على البحث عنه لسؤاله عن ما حدث، الأمر الذى أشعل فتيل الغضب فى نفس الكهنة اليهود فاستدعوا أهل هذا الشخص حتى يتأكدون من حقيقة أن ابنهم أعمى منذ ميلاده، ولكن أهله كبار السن خافوا من بطش الكهنة وطردهم من الهيكل، فقال: «أبوه: إنه كامل السن اسألوه» وألقوا المسئولية على ابنهم وكانت هذه الجملة دليلا على مخافة الأهل من اليهود.

يذكر قداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، فى الاجتماع العام وعظة «أحد المولود أعمى» خلال الصوم الكبير منذ عامين، «أن العميان عن الحق لهم عيون لكنهم لا يبصرون»، وأشار إلى أن المسيح كان يستطيع أن يذهب إلى هذا الرجل ويحقق معجزة شفائه يوماً آخر خلال الأسبوع ولكنه أراد أن يحققها «يوم السبت» وهو يعلم خصوصيته لدى اليهود، ويفسرها البابا أنه أراد أن يعيد تصحيح المفهوم (أن السبت للإنسان وليس العكس).

«الفريسيين» موقفهم من معجزة المسيح

ووفق رواية القمص بولس جورج، أن هذه المعجزة هزت الهيكل لأن هذا الرجل كان يجلس فى مكانه منذ أعوام بدون عين وكانت الواقعة حديث المدينة وظهرت ردود الفعل المختلفة وأكثرهم من «الفريسيين» الذين ظلوا فى حالة تعجب، كلمة «فريسى» هى كلمة آرامية وتعنى المنعزل وهى إحدى فئات اليهود الرئيسية الثلاث التى كانت تناهض الفئتين الأخريين «الصدوقيين والأسينيين» والفريسيون مجموعة مثقفة تمثل درجة الدكتوراه حالياً، لكنهم أضيقهم أفقاً، ويرجع بحسب ما ورد فى الكتب المسيحية أنهم خلفاء «الحسيديين».

ولكنهم أجمعوا على قرار تهمة المسيح حين فعل معجزة البصر «يوم السبت» بالخطيئة لأنه يوم يمنع فيه العمل والحركة وفق العقيدة اليهودية ولم يروا عمل الله فى الخير بل أنكروا عليه مساعدة هذا الرجل الأعمى، وقالوا إنه خاطئ لأنه قد فعلها فى اليوم الخطأ.

خرج اليهود يبحثون مرة أخرى عن المولود أعمى لاستجوابه فكان شجاعاً ممتناً لمن ساعده وظل يدافع عنه أمام نبرات الاعتراض التى علت المجالس واتهامات اليهود بأن المسيح مخطئ، فقال هذا الشخص الممتن للمسيح كلمته الشهيرة المذكورة فى (يو 9: 25) «أَجَابَ ذَاكَ وَقَالَ: «أَخَاطِئٌ هُوَ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ. إِنَّمَا أَعْلَمُ شَيْئاً وَاحِداً: أَنِّى كُنْتُ أَعْمَى وَالآنَ أُبْصِرُ».

لم يكترث هذا الشخص لليهود ولم يضعف أمام بطشهم وظل يدافع عن من ناصره وساعده وأعاد له النور بعد سنوات من الظلام، ونال مصير ما كان يخشاه والده وطرد نتيجة موقفه من الهيكل، وبعد مدة ذهب المسيح حيث يمكث هذا الإنسان الذى لا يعرف عن صاحب المعجزة سوى الصوت، فحين جاء إليه يسوع سأله هل تؤمن بالله الذى أعاد لك البصر، فآمن المولود أعمى وعرف أن صاحب هذا الصوت هو مُحقق المعجزة، ونال «المولود أعمى» مصير الشجعان حين أقر إيمانه بالله ووقف أمام نبرات اليهود العدائية للمسيح بل وقف أمام الفريسيين، ليدافع عن المسيح.

ويقول القس موسى نصرى، فى تأملات أحد التناصير فى «صوت فى الأعالى» الذى ينقل عبر الفضائية القبطية، أن هذه القصة تؤكد حقيقة إيمان الشخص أن الله يفعل ما يريد وأنه يفعل كل شىء لسبب وهدف أقوى من قسوة ما يعانى منه المبتلى، وهو ما جاء فى قصة الأحد الماضى «المخلع»، كلها أحداث ترسخ الإيمان بالله وأن الابتلاء ليس دليل خطية وأن الإنسان الروحى عليه أن يراجع نفسه ويتحدث مع الله فى الصلاة ويطلب منه أن يساعده على تحمل ما يتعرض له وهو على يقين بقدرة الله على تغيير المستحيل لأجله.

أسباب عقائدية فى أحد الاستنارة

وتأخذ الكنيسة هذه القصة على محمل عقائدى كبير فتقول حقيقة الإيمان إن المسيح جاء ليجعل الجميع يبصر حقيقة الله وقدرته على تغيير المستحيل، وأن من لم يؤمن فهو أعمى ومن آمن فقد أبصر، وتحمل هذه القصة تأملات كثيرة تفيض بها كتب العلم والإيمان المسيحى وتحرص الكنيسة على ترديدها فى مثل هذا اليوم سنوياً خلال الصوم الكبير لتخبر الأجيال المتعاقبة قصصاً وسيراً ومعجزات مُلهمة ينعم بها كل مسيحى.

سبب تسميته بـ«أحد التناصير»

يعرف «أحد المولود أعمى» الذى يأتى بالأسبوع السادس من الصوم بـ«أحد التناصير» ولعل لتسميته بهذا الاسم سبباً جوهرياً يعود إلى تعليم الموعوظين بالكنيسة الأولى التى اعتادت أن تمنح «سر المعمودية» لكل من آمن بالمسيح أو تاب عن الخطيئة، وهو أحد الأسرار التى تشير إلى دخول الإيمان والتوبة وعودة الإنسان إلى الصواب.

علاقة المعمودية بـ«أحد التناصير والاستنارة»

يكمن سبب من أسباب تسمية هذا اليوم بـ«التناصير»، أن العائد من الخطيئة كالأعمى الذى أبصر، وأن المعمودية هى نقطة تحول المسار لكل تائب وعائد إلى طريق الله، وتقول بعض الكتب أن الغرض الرئيسى من الصوم الأربعينى الكبير فى العصور الأولى كانت تهيئ لنوال المعمودية، وهناك أيضاً تشابه رمزى بين ما حدث فى «أحد المولود أعمى» وسر المعمودية ومنها «جرن المعمودية» التى تشير إلى «بِركة سلوام»، فقبلها يكون الإنسان أعمى بالخطية وبعد هذا السر يبصر وينير بالإيمان لذلك اشتهر هذا اليوم بـ«أحد التناصير أو الاستنارة».

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق